ما بين نفاد الاحتياطي وتعثّر ترشيد الدعم… النهاية تقترب، فماذا عن تسييل الذهب؟

النهار | ٢٤ شباط ٢٠٢١

مع الأخذ والرد بين مجلسي النواب والوزراء في ما يتعلق بخطة  ترشيد الدعم، ومع النضوب التدريجي لاحتياطي مصرف لبنان بالعملة الأجنبية التي يدعم بها السلع الأساسية، هل من المعقول أن ينفد الاحتياطي الضئيل المتبقي قبل إقرار خطة ترشيد الدعم؟
الهواجس تكبُر يوماً بعد يوم، في وقتٍ يتنازع فيه الأطراف السياسيون على حصصهم في الحكومة العتيدة، وفي ظل أزمة يعيشُها لبنان منذ أكثر من سنة، ومع مطالبات دولية وعربية ومحلية حثيثة بتشكيل حكومة، وكذلك الوضع الاقتصادي الملِحّ والمتردي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأزمة السياسية، “راحت عالمواطن”.

البلد يعيش في أزمة منذ سنة ونصف سنة، ومجلسا الوزراء والنواب لا يصدران أي قرارات مهمة لتصحيح مسار هذه الأزمة، لا بل فقط ممارسات خاطئة تضاف إلبها ممارسات المصرف المركزي التي بدورها ضرّت ولم تنفع، ومن غير الحكمة أن ينفَد احتياطي المركزي من دون إقرار خطة سديدة لترشيد الدعم، “جعلونا نفقد أي شعور بالتفاؤل”، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي والمالي، زياد حايك.

برأي حايك، ثمّة عائقان أمام خطة ترشيد الدعم، أوّلهما غياب يد موحَّدة وخلية عمل لهذه العملية، إذ لا أحد قادراً وحده على اتخاذ هذا القرار. وثانياً، وهو أساس العلّة، عدم استشارة الأشخاص المعنيين من خبراء ومتخصصين للبحث في سبل الخروج من هذه الأزمة، فكل منهم يريد أن يعمل على حدة، لكن إن لم تتضافر الجهود ويتم التنسيق ما بين المصارف اللبنانية والسياسيين ومصرف لبنان وأصحاب التأثير في نبض الشارع، سيكون الأمر صعباً أن تُقرّ الخطة قبل نفاد الاحتياطي.

وفي إطار غياب الحوكمة السليمة في لبنان، مع غياب مَن هو قادر على اتخاذ القرار، فإنّ التخوّف من عدم إقرار خطة لترشيد الدعم في غضون الأشهر المتبقِّية قبل نفاد الاحتياطي، أمر مبرَّر، لأنّ الوقت يمضي وهو ليس لصالح اللبنانيين أبداً، مع عدم وجود ما ينذر بأي شيء إيجابي على الصعيد السياسي، كما يرى الحايك.

وعن الاحتياطي الموجود لدى المركزي، وإلى متى يمكن هذا الأخير تمديد الدعم، يرى حايك أنّ هناك مَن يحسب الدولارات فقط لدى الحديث عن الاحتياطي، بينما في دول العالم كلّه، يُعتبر الذهب والنقد الصعب معاً من احتياطي الدولة.

وفيما يدعو البعض الى عدم المس باحتياطي الذهب، “كان من الأجدى الاستفادة من ارتفاع سعره عالمياً واستخدام الفائض الذي سجّله في أخر شهرين، وتسييله لإعادة إعمار العاصمة بعد انفجار بيروت وترميم منازل المتضررين، لكن هذا كلّه يدل على غياب الإدارة والقيادة، إنّما فقط أشخاص يتكلّمون بالسياسة لا بالسياسات”.

وبنظره، إذا ما استخدمنا الذهب طبعاً ستطول فترة دعم المركزي للسلع الأساسية، وإن لم نستخدمه، فسينفد بسرعة لكن بحسب طريقة الاستهلاك وشكل الدعم. ويضيف أنّ “هناك مَن يعتقد أنّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سيوفران القروض بالعملة الصعبة بسهولة، لكن باعتقادي أنّ هاتين الجهتين ستسألان عن احتياطي الذهب الموجود، ولا أعرف كيف أنّ الدولة لم تدفع سندات الأوروبوند، لأنّهم بذلك خربوا البلد بشكل نهائي وأفقدوه رصيده، وحتى المصارف فقدت رصيدها لدى المصارف المراسِلة لها في الخارج، وهذا كله باعتبار أنّه لا يمكن المس بالذهب”.

وفي السؤال عن سبب عدم اللجوء إلى احتياطي الذهب في هذه الأزمة الفادحة، يجيب حايك أنّ “حالياً ممنوع المس بالذهب وفق قانون لمجلس النواب، لكن يجب تعديل هذا القانون لأنّ الذهب هو جزء من الاحتياطي، ولا يمكن التعذّر بأنّه لا يجب المس به لأنّه داعم لليرة، فهذه الفكرة غير صحيحة، إذ أين هي الليرة بعد أن انهارت ووصلت إلى نحو 10 آلاف مقابل الدولار؟ هذا أكبر دليل على أنّ الذهب لا يدعم الليرة”، معتبراً أنّ “هناك مَن يقول إنّه لا يمكن الوثوق بمَن نهبوا البلد لتسييل الذهب، لكن يمكن استخدام جزء منه، ووضعه بعهدة جهة دولية وبإشرافها كالبنك الدولي، للخروج من هذه الأزمة، إذ من غير الأصول وغير المقبول ترك البلد على هذه الحال من الضياع “.

وبتقدير رئيس المعهد اللبناني لدراسة السوق، باتريك مارديني، أنّ الاحتياطي يمكن أن يغطّي ما بين شهرين إلى أربعة أشهر من الدعم. وبحسب ما يشرح أنّه كان متوقَّعاً أن ينضب احتياطي المركزي أواخر العام 2020، لكن أكّد المصرف المركزي مؤخراً أنّه لا زال في احتياطيه 2 مليار دولار، وينفق نحو 500 مليون دولار منه بالشهر، أي لمدة 4 أشهر، لكن بما أنّه خفّف من الدعم عبر التأخير في تلبية طلبات الاستيراد، وعدم دعم جميع السلع قريباً، قد يطول عمر الاحتياطي هذا لشهرين إضافيين.

وعن إمكان الوصول إلى خطة لترشيد الدعم قبل نفاد الاحتياطي، يوضح مارديني أنّ الحكومة قد طرحت عدة طرق لترشيد الدعم، وإحداها كانت تُدرس جدياً لكن توقّف التداول فيها رغم أنّها تحدّ من تآكل الاحتياطي لكنّها لا تحلّ المشكلة الراهنة، ألا وهي تخفيف عدد السلع المدعومة، وجعل الدعم على 3900 ليرة وليس على سعر 1500 ليرة على السلع.

كما أنّ حلاً آخر طُرح، وهو مساعدة العائلات الأكثر فقراً عبر برنامج قرض من البنك الدولي، كبديل لسياسة رفع الدعم، لكنّ الملف هذا تحوّل إلى مجلس النواب وتعرقل هناك. لكن برأي مارديني، هذا الطرح أفضل من الطرح الأول، لأنّ بذلك، يدخل الدولار إلى لبنان وهو متعطّش له، لكن ما حدث هو أنّه لدى تقديم الحكومة هذا الطرح الى مجلس النواب، لم تقدّمه مع خطة لترشيد الدعم، إضافة إلى مشاكل أخرى لهذه الخطة تتعلّق بآلية التنفيذ وغيرها.

أمّا الطرح الثالث، فهو طرح وزير الاقتصاد مع فريق البنك الدولي، والقاضي بتوزيع بطاقات دعم لـ 80% من الشعب اللبناني، لكن ما زال موضع بحث وهو بحاجة إلى تمويل.

وعن عوائق الوصول إلى خطة سديدة لترشيد الدعم بالسرعة المطلوبة، أي قبل نفاد الاحتياطي قريباً، برأي مارديني أنّ “في لبنان اعتدنا القيام بالمطلوب بالدقيقة الأخيرة، لكن حرام حرق الاحتياطي المتبقّي الآن لأنّ مصيره النفاد، بينما يمكن استخدامه لأمور أهمّ وأجدى من إنفاقه على الدعم، كتثبيت سعر الصرف، والاحتياطي الموجود هو ما تبقّى من أموال المودعين في المصارف اللبنانية، ومن الظلم الإبقاء على دعم سلع لا يستفيد منها الشعب، والأفضل تركها لأصحاب الودائع غير القادرين على الوصول إليها، والذهاب إلى برنامج دعم مموَّل من جهات خارجية”.

ويلفت مارديني إلى أنّ اقتصادياً، هناك إجماع أن الدعم بالشكل الذي ينفَّذ فيه لا يصل إلى الأشخاص الذين يستحقونه، فالسلع المدعومة تذهب إلى خارج لبنان وأصبحت مفقودة في السوق المحلية. وفيما أثبتت هذه السياسة فشلها، يسأل: “لماذا التأخير بالرجوع عن هذه السياسة الفاشلة التي تكلّف الدولة أموالاً هائلة ولا تصل إلى الناس؟ هذا أمر يبعث على الحيرة كثيراً”.

من ناحيته، يؤكّد مصدر مصرفي أنّ “مصرف لبنان فقد قدرته الفعلية على دعم استيراد المواد الأساسية بسعرٍ يقلّ عن سعر السوق الحقيقية، منذ زمنٍ بعيد، لأّنه، على ما تقول إدارته ما زال يملك كموجودات نقدية مودَعة في الخارج، حوالى 17 ملياراً و 700 مليون دولار، لكن يجب أن لا ننسى أنّ مجموع التزاماته تجاه المصارف يفوق هذا المبلغ بكثير، فإذاً الموجودات الحقيقية لمصرف لبنان هي سلبية، ودعم استيراد السلع بسعرٍ متدنٍّ هو عمل غير مبني على أي أسس، كما أنّ الدعم من موجودات المركزي أمر غير مقبول بتاتاً. وإذا كان مصرف لبنان يتدخّل بواسطة موجوداته الخاصة، فهو لم يعد يمتلكها منذ زمن”.

ووفق المصدر، فإنّ العائق الأساسي الذي يحول دون الوصول وإقرار خطة لترشيد الدعم هو سياسي، فإنقاذ لبنان من أزمته الراهنة يبدأ بتوافقٍ سياسي، وبعده يأتي تشكيل حكومة مدعومة من الرأي العام، لتضع خطة لترشيد الدعم، لكن حتى الآن لا توافق على تشكيل الحكومة.

أمّا عن إمكان نفاد الاحتياطي قبل الوصول إلى خطة لترشيد الدعم، “فهو أمر طبيعي لأنّ مصرف لبنان كان يخسر مليار دولار من موجوداته بالعملات الأجنبية كل شهر في العام الماضي، وإذا ما استمرّ الأمر على هذا المنوال، فمن الطبيعي نفاد الاحتياطي قبل الوصول إلى الخطة المنشودة، لذا يجب تشكيل حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات، وأن تضع هذه الخطة وتبدأ فوراً بالتنفيذ”.

وهناك طريقتان للدعم، “الأولى تتمثّل بإعطاء العائلات المحتاجة المساعدات بالليرة، أمّا الأخرى، فهي دعم الاستيراد من خلال موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، بصرف النظر عن مَن يستفيد من هذا الدعم. لذا، الطريقة الأولى وعلى رغم من أنّها تؤدي إلى زيادة العجز والمديونية، إنّما توجّه الدعم إلى مستحقّيه، لكن هذا يتطلّب إدارة جيّدة”.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار 

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين

Tags: exchangerate, Reserves, Smuggling, Subsidies, worldbank, البنك الدولي, التهريب, ترشيد, دعم, سعر, صرف,