تدهور الليرة.. لماذا تضرر اقتصاد لبنان بشدة بعد تطبيق قانون “قيصر”؟

صحيفة الإستقلال | ٢٧ حزيران ٢٠٢٠

تعاني الليرة اللبنانية من تراجع حاد في قيمتها مقابل الدولار بنسبة بلغت 75% إلى ما يزيد عن 6000 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على المواطن اللبناني الذي يعيش أزمة اقتصادية ومصرفية خانقة.

أصل هذه الأزمة هو تراكم الديون واتباع سياسة نقدية ومالية خاطئة قادت البلاد إلى مزيد من الديون التي تخطت الـ90 مليار دولار، ويأتي قانون قيصر مؤخرا ليضيف مزيدا من الأزمات على لبنان.

قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأميركي نهاية 2019، ودخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/ حزيران 2020، يستهدف الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري، وتسبب في حالة من الهلع للاقتصاد اللبناني وبخاصة رجال الأعمال والتجار في البلد المجاور لسوريا.

ووصل معدل التضخم في أسعار الغذاء إلى 190% تقريبا مقارنة بعام مضى، فيما ارتفعت الأسعار في المطاعم والفنادق بأكثر من 240%.

لمواجهة التدهور غير المسبوق في سعر الليرة اللبنانية قررت الحكومة بالتوافق مع مصرف لبنان المركزي، البدء بضخ دولارات في السوق لخلق حالة من التوازن بين العرض والطلب.

وقال وزير المالية غازي وزني في منتصف يونيو/حزيران: إن “الدولار بدأ بالانخفاض وسينخفض أكثر”. فيما قال الرئيس اللبناني ميشال عون: “بالصناعة والزراعة تدعم الليرة وليس بالاستدانة من الخارج الذي لطالما اعتمدنا عليه في السابق إلى جانب الاقتصاد الريعي”.

أسباب الانهيار
وصل سعر الدولار في السوق السوداء في لبنان نحو 6 آلاف ليرة، صعودا من قرابة 4500 ليرة، بينما سعر صرفه الرسمي يبلغ 1507 ليرات.

وبحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، فإن أسباب تراجع الليرة يرجع إلى أن الحكومة لم تجر إصلاحاتها بعد وما زال لديها نفقات مرتفعة، وبالتالي لديها أزمة في تمويل نفقاتها وبخاصة أن المداخيل الضريبية منخفضة.

كما أن الدولة ليس لديها القدرة على الاستدانة الآن بعد أن أعلنت لبنان تخلفها عن الديون المستحقة، بالإضافة إلى وجود أزمة اقتصادية قائمة بالفعل في البلاد، مما يعني أن الدولة اللبنانية تطبع النقود المحلية لتمويل نفقاتها، وفق ما قال مارديني لـ”الاستقلال”.

وأظهرت بيانات من وزارة المالية خلال يونيو/حزيران تراجع حصيلة الضرائب 12.5٪ في الربع الأول من 2020 مقارنة بها قبل عام.

تركزت أشد الانخفاضات في حصيلة الجمارك وضريبة القيمة المضافة، إذ تراجعا 51.5٪ و42.3٪ على الترتيب، مما ينبئ بهبوط حاد في الاستهلاك.

وطباعة النقود دون وجود إنتاج حقيقي قد تؤدي لزيادة الطلب بصورة كبيرة، وهو ما لا يستطيع المنتجون الاستجابة إليه بالسرعة المطلوبة، مما يؤدي لحدوث ارتفاع هائل في الأسعار، يسبب مزيدا من إفقار مجتمع هذه الدولة، ويقود بالتبعية لفقدان الناس الثقة في عملتها.

وأضاف مارديني أن تمويل النفقات من خلال طباعة النقود يؤدي إلى تدهور سعر الصرف، مشيرا إلى أن مصرف لبنان قرر إجبار المودعين أصحاب الدولارات على سحب أموالهم بالليرة.

وتساءل: من أين يأتي البنك المركزي بتلك الليرات؟، ليؤكد أنه يعمل على طباعة النقود اللبنانية بشكل مفرط مما يؤدي إلى مزيد من التدهور لسعر صرف العملة.

وقال رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي: إنه “يكاد يكون من المستحيل” تدبير الدولار بأي ثمن وإن نظام تخصيص الدولارات لمستوردي المواد الغذائية ناجع بالكاد، بحسب وكالة “رويترز”.

من جانبه قال الباحث الاقتصادي، مجدي عارف: إن العملة ستستمر في الانخفاض رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي ضخ دولارت بالسوق وذلك لأن الطلب ما زال أعلى بكثير من الدولار المعروض.

وأشار عارف، لـ”الاستقلال”، أن مصرف لبنان يمول الدولة بشكل كبير مما يؤدي إلى تدهور الليرة أكثر، إلا أن المصرف يحاول الحد من هذا التدهور من خلال ضخ الدولار بالسوق.

وأضاف أنه في نفس الوقت وضع المصرف قيودا على سحب الدولار بحيث لا يستطيع الفرد سحب أكثر من 200 دولار، وبالتالي يساعد ذلك على استمرارية السوق السوداء وارتفاع الليرة أكثر وأكثر واستنزاف الاحتياطي المحدود من الدولار لدى مصرف لبنان، متوقعا عدم حدوث تغير حقيقي في المستقبل البعيد.

غضب شعبي
وخرجت تظاهرات لمئات المحتجين الغاضبين في جميع أنحاء لبنان بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وارتفاع تكاليف المعيشة وعجز الحكومة الواضح في مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية 1975-1990.

وأوضح مارديني، أن سعر صرف الليرة اللبنانية يرتبط ارتباطا وثيقا بالقدرة الشرائية لكل أسرة في لبنان وبمدى قدرتها على تأمين احتياجاتها، مما يعني أنه في حال تراجع سعر صرف الليرة بشكل كبير فإن هذا سيؤدي إلى زيادة معدلات الفقر.

ويستورد لبنان أكثر من نصف احتياجاته من الغذاء مما يعني ارتباط السلع والخدمات ارتباطا وطيدا بسعر صرف الدولار.

وحذر رئيس الوزراء حسن دياب، في أواخر شهر مايو/ أيار 2020، من أن بيروت معرضة لمواجهة أزمة غذائية كبرى، وأن الكثير من اللبنانيين قد يجدون صعوبة قريبا في توفير ثمن الخبز بسبب الأزمة المالية الحادة التي تعيشها البلاد وتداعيات جائحة كورونا.

وقال دياب في مقال نشر في صحيفة “واشنطن بوست”: إن أسعار المواد الغذائية المستوردة ارتفعت لأكثر من المثلين منذ بداية 2020.

وطالب مارديني بضرورة ربط ضخ الليرة اللبنانية بالسوق، وامتناع مصرف بيروت عن طباعة أي ليرة لا يوجد في مقابلها دولار، مشيرا إلى ضرورة عمل مجلس نقدي يمنع طبع العملة المحلية بشكل حر، ويربط حجم الليرة بالدولار من أجل حل أزمة سعر الصرف.

أزمة “قيصر”
وبالعودة إلى “قانون قيصر”، فإنه ينص على فرض عقوبات هي الأقسى من نوعها على نظام بشار الأسد وداعميه ومموليه، الأمر الذي يضع عددا من الدول تحت مجهر العقوبات الأميركية ومن بينها لبنان الذي قد يتأثر للمرة الأولى كدولة وليس “حزب الله” فقط.

وقال مارديني: إن قانون قيصر يضع عقوبات على الشركات والأفراد التي تتعامل مع النظام السوري أو المؤسسات والجماعات التي تدعمه سواء سياسيا أو عسكريا، مضيفا إلى أن تلك العقوبات تقع أيضا على أي شركة لبنانية ستشارك في أي شئ يتعلق بالبناء أو في قطاع النفط والطيران في سوريا، مما سيؤثر على بيروت بشكل سلبي.

وتابع: “يعد القطاع المصرفي أبرز المتضررين لوجود فروع لكثير من المصارف اللبنانية في سوريا، لأنه في حال تضمن مشروع القانون الأميركي اعتبار المصرف المركزي السوري جزءا من النظام، ستخضع الفروع التابعة لمصارف لبنان في دمشق للعقوبات كونها تتعامل مع المصرف في دمشق”.

ولذلك يعتقد مارديني أن على المصارف اللبنانية أن تتبرأ أو تضع مسافة بينها وبين فروعها في سوريا كأن تعتبرها مصارف مستقلة.

وتستهدف العقوبات الكيانات التي تعمل لصالح الأسد في أربعة قطاعات هي: النفط والغاز الطبيعي، الطائرات، والبناء، والهندسة ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام.

إضافة لذلك، ينص القانون على مطالبة الإدارة الأميركية بتحديد ما إذا كان “المصرف المركزي السوري” هو كيان من النوع الذي يشكل “مصدر قلق رئيسي بشأن غسيل الأموال”.

وأردف رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، أن الأمل الذي صنعته الأقطاب السياسية في لبنان حول أن إعادة إعمار سوريا سيتم عن طريق بيروت مما سيسهم في ازدهار اقتصادي، قد تبخر.

هذا بالإضافة إلى وجود رجال أعمال سوريين تابعين للنظام وهم أصحاب شركات في لبنان ولديهم حسابات في المصارف اللبنانية ربما تخضع عليهم تلك العقوبات.

وأشار إلى أن صادرات لبنان تذهب إلى الدول العربية عن طريق الحدود السورية سواء الصناعية أو الزراعية، مضيفا أن تلك الصادرات تجلب الدولارات للبلاد،.

وبالتالي في حال تضمن تلك العقوبات هذه الشركات المصدرة كونها تدفع رسوم ترانزيت للعبور من تلك الحدود التابعة للنظام السوري واعتبار ذلك تمويلا له، فإن ذلك سيعمق من الركود الاقتصادي ببيروت.

ويستورد لبنان الكهرباء من سوريا بقيمة مبيعات إجمالية بلغت 121 مليار ليرة (80 مليون دولار) في العام 2017، أي ما يعادل 6% تقريبا من نفقات الكهرباء، إلا أن كلفة الكهرباء القادمة من سوريا انخفضت في العام 2018 إلى 3 مليار ليرة (2 مليون دولار).

واعتبر باتريك أن شركة الكهرباء السورية التي تورد الكهرباء إلى لبنان تابعة للنظام السوري وبالتالي لا بد أن يتوقف هذا الأمر سريعا جدا لتفادي العقوبات الذي هو في غنى عنها.

وأكد على أن اقتصاد بيروت سيتأثر نظرا لارتباطه بسوريا، وظهر هذا جليا حيث تراجعت عملتي البلدين مع تنفيذ قانون قيصر.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الإستقلال